dark_king
عدد الرسائل : 14 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 15/06/2007
| موضوع: العشاء الاخير الأربعاء يونيو 27, 2007 12:15 am | |
| كان يمشي بجوار حائط مهشّم يحمل على كاهليه عبء السنون وتتدافع خطواته نحو فناء بيته وقد تربعت على جوانبه بضع شجيرات تعانقت اغصانها مع نوافذ غرفة حقيرة لم يبقَ منها اّلا كرسي وسرير قديم ومنضدة عليها بعض الكتب القديمة.. انا عجوز لم اعد في مقتبل العمر لم املك إلـّا هاتين العكازتين زفر زفرة عميقة خرجت من أعماق أبو علي الذي أثقلته الهموم وتعالت ذكرياته المريرة مع اريج صحوته الممزوجة بصحوة الانتظار. اخرجي أيتها الأفكار اللعينة من راسي كي استلقي على ذلك السرير فهو صديقي الودود لازمني طيلة حياتي. حيث لملم اهاتي ومسح دموعي عن وسادتي, استلق ِ أيها الرجل العجوز ونم بكبرياء كي لا تدوسك اقدام القدر. قالها ابو علي وهو ينفث دخان سيجارته عبر الغرفه. ومرّت ساعات قليلة حين سمع طرقا على باب غرفته, فنهض وفتح الباب ليرى زوجته المنهكة وقد اعياها التعب والعرق يتصبب من وجنتيها , تتأبّط بعض الخبز وبضع حباتٍ من البندورة _: ماهذه يا امرأة الذي تحملينه..؟؟ قد خرجتِ باكرا منذ الصباح الى المستوصف وها هي الساعة الخامسة مساءً , تبسّمت باستهزاء واخذت طريقها عبر المنزل لتهيّئ له وجبة طعام. عاد الرجل ادراجه الى السرير والقى بنفسه عليه وما هي إلا دقائق معدودة حتى صرخت زوجته : قم يا ابا علي , الطعام جاهز. ضحك مقهقها وبصوتٍ عالٍ : ايّ طعامٍ هذا تريدين اطعامي.؟ هل البندورة تكفي لاسدّ بها جوعي ؟ فانا مريض احتاج الى بضع وجبات من الطعام يوميا. _: قم وسترى بنفسك! اشتد اعجابه بزوجته فقد هيّأت له طبقا من البندورة مع بصلٍ وزيت اعجبه كثيرا. آه يا زوجتي العزيزة !!!! لولا وقوفك الى جانبي لاصبحت في عداد الميّتين , قالها ابو علي بنبره حزينة. فردّت عليه زوجته: لا تقلق يا ابا علي, (فالمرأة سترٌ وغطاء). ولكن يا امّ علي لقد حمّلتكِ اوزاري وثقّلت عليكِ همومي رغم مرضك ِ اللعين. وها انا ذا اقعدني المرض ونخر عظمي وانهارت قواي ولم اعد احتمل ذلك المرض!! انا بجانبكَ ما حييت : قالتها الزوجة بتودّد . وقد ارتحلت بافكارها عبر الماضي التليد عندما كان يرجع ابو علي من عمله فهو ساعي بريد يحمل اسرار الناس ِ بجعبته ليلقي بها بين ايادي اصحابها وقد تناسى التعب والعناء عندما يحصل على بعض النقود او الهدايا. وقد كان الحال مستورا ويكتفون بما اعطاه الله لهم , ولكن القدر كان له بالمرصاد عندما المّ به ذلك المرض فعاش على ذكرياته واقتات من عبق الماضي وتقوقعت امنياته على سرير مرضه. لقد رزقه الله ابنة ً وحيدة امتهنت التمريض في احدى المستشفيات القريبة من تلك القرية. لقد تأخّرت خولة : قالها ابو علي بصوتٍ هادئ يعتريه بعض القلق. انني بانتظارها ان تعطيني الحقنة,حفظها الله وابختها ابن الحلال . صِه صِه يا ابا علي : قالتها زوجه بنبره حادّه , كم عريسٍ وعريس جاء لها وقد اوصدت باب الرفض في وجوههم. انها تريد ان تشتغلَ لتعيلنا نحن الاثنين ولصرف الدواءِ لكلينا. آآآآآه يا ام علي : قالها الزوج بحزن ٍ وقد اغرورقت عيناه بالدموع ان الله قد وهبنا هذه الابنة الطيبة فهي كالهواء الذي نتنفّس بهِ لكي نحيا في هذه الحياة رغم قساوتها وضراوةِ نيرانها التي تلسعنا قبل أفول ِ نجمينا. وعندما رجعت الابنة كان الليل قد ارخى سدوله وسكونٌ قاتِل قد خيّم على فناءِ المنزل وتراءت على مسامعها مزاميرُ الموتِ وقرع ِ طبولِ الفراق | |
|