يتميز الأسلوب القرآني بالعديد من الميزات والخصائص، والتي تثبت علوه واختلافه عن سائر القوالب والأساليب، وهي عموما "ندخل في باب إعجازه " ، ولما كان الغرض في هدا المقام بيان تميز الأسلوب القرآني عن الأسلوب العربي المعتاد، نشير إلى ما يفي بهدا الغرض، إذ "قد صنفت العديد من التصانيف التي تؤكد تميز الأسلوب القرآني، عن الأسلوب البشري في التعبير" .
ومن بين هذه الخصائص الأسلوبية ما يلي :
الأداء القرآني الخاص بالتعبير عن القضايا، التي يستحيل على البشر التعبير عنها في وضحه وشمول.
الإحكام والترابط، حيث يسري البيان القرآني في تناسق، فيأخذ حقه من الوضوح والبيان والإجمال.
إرضاء العامة والخاصة، فهو يشبع رغبة الناس جميعا على إختلاف أذواقهم,
إرضاء العاطفة والعقل، فخطاب العقل يتجه إلى الحق، ويعمل بالإستدلال، وإقامة الدليل والبرهان، أما خطاب القلب يتجه إلى الجمال، ويعمل بالإثارة ليمتع ويطرب، وقد أرضى القرآن كلا من الحكيم العاقل، والعاطفي الحساس معا.
الجمع بين البيان والإجمال، فالكلمة إما واضحة وإما خفية المعنى، إلا أنها في القرآن تحتمل الخاصيتين، فتلاوة النص لأول مرة، قد يظهر معاني معينة، وإعادة تلاوته قد يبرز معاني أخرى.,
القصد في اللفظ، والوفاء بالمعنى، وهما هدفان لا يتأتيان لبليغ في نص.
الغنى في أفانين الكلام، كالتعبير عن النهي بوجوه عديدة، وكذا أنواع الخطاب، وذكر اللفظ المحتمل لمعنيين" .
"حسن سياقه للقصص، والروعة في بيانها" .
براعة الإستهلال وحسن التخلص، وبراعة الإتمام، فما من سورة من سوره، إلا وقد أفتتحت بأجزل الألفاظ، وأبلغها، وأرقها، وأسلسلها، مما يدل على تعظيم الله تعالى، وثبوت الحمد له، كالفاتحة والأنعام" .
هذا، ومن بين الخصائص التي ندخل ضمن هذا الإطار : سريان التعبير القرآني على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ، وعمق المعنى، ودقة التركيب، ورقة الصياغة، وروعة التعبير" .
ظاهرة التكرار، وهي في القرآن نوعان :"تكرار بعض الألفاظ والجمل، والثانية تكرار بعض المعاني كالأقاصيص والأخبار" .
كما أن للمفردة القرآنية محلها من مجمل الأسلوب القرآني، وذلك لما تميزت به من خصائص كستها حلة جمالية، جعلت رصفها في النظم القرآني، كالبنيان المرصوص، الذي إذا نقصت إحدى دعائم بنائه، هش وصدع، إذ أن "نظم الكلم يقتضي في نظمها آثار المعاني، وترتبها على حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذن نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض" ، وفي ما يلي بعض هذه الخصائص.
خصائص المفردة القرآنية:
احتواء القرآن على الغريب من التراكيب والمفردات، التي لم يكن للعرب بها سابقة، "وأكثر الغريب مرجعه إلى موضع اللفظ من التركيب، لا إلى اللفظ ذاته، " ، وفي هذا المعنى، يقول صاحب الدلائل " وتأمل ما جمعه العلماء في غريب القرآن، فترى الغريب منه إلا في القليل، وإنما كان غريبا من أجل استعارة هي فيه، وهذا دون أن تكون اللفظة غريبة في نفسهاّ ، مثل قوله تعالى {وأشربوا في قلوبهم العجل} ، وقوله { خلصوا نجيا} ، وقوله {فاصدع بما تؤمر} .
إحتوائه على مفردات من كل لهجات العرب .
إستخدام المترادفات في الموضع المخصص بها، وقد إعتبر الجاحظ هده الخاصية من المظاهر المميزة لقرآن الكريم عن الكلام البشري.
إستخدام اللفظ الواحد في معاني عديدة، قال الزركشي: "وقد جعل بعضهم دلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجها أو أكثر، أو أقل، ولا يوجد دلك في كلام البشر.
ومما تتميز به أيضا:
"الدقة في الوضع، والإختيار، والوصف، والمعنى، والتناسقّ ، وكدا ّجمال وضعها في النص، وإتساقها الكامل مع المعنى ّ .
وعلاوة على هدا، فإن ما قام به هؤلاء الفطاحلة، في سبيل خدمة كتاب الله تعالى، إنما يعكس مدى إكبارهم لهدا الكتاب الجليل، رغبة منهم في استكناه مواطن إعجازه، وجماله، وروعة بيانه، التي "تعد القوة الكامنة في أسلوبه، والسر في إعجازه البياني، دلك السر الذي يملأ الإحساس به نواحي الشعور الإنساني، دون أن يستطيع أبرع الناس بيانا، وأبلغهم عبارة، وأفضلهم مقالا، التعبير عنها بعبارة محدودة ومصبوغة بقواعد العلم ّ ، وعلى عظمة هدا الجهد الذي لم نذكر منه إلا النذر اليسير، فإن الجمال القرآني، ظل تحت مجهر المهتمين بالدراسة والتنقيب، للكشف عن جوانب أخرى متعلقة بالإعجاز، ولعل هدا ما تجسد في المرحلة الثالثة من مراحل الكشف عن الجمال القرآني، وهي: "مرحلة إدراك الخصائص العامة للجمال القرآني، وقد ظهرت متأخرة لم تتم إلا في العصر الحديث،، وقد تمثلها سيد قطب، ودلك بإكتشافه القاعدة العامة، والطريقة الموحدة في التعبير القرآني، وهي نظرية التصوير الفني" .